العصبة




العصبة

 
العصبة
العصبة جمع عاصب، وهو من يرث بلا تقدير، فإذا انفرد أخذ جميع المال، وإن كان معه صاحب فرض أخذ الباقي بعده، وإن استغرقت الفروض التركة سقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" متفق عليه(26) .
أقسام العصبة
ينقسم العصبة ثلاثة أقسام عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
فالعصبة بالنفس هم:
1 - جميع الذكور الوارثين من الأصول، والفروع، والحواشي، إلا الأخوة من الأم.
2 - من يرث بالولاء من ذكر أو أنثى، كالمعتق والمعتقة.
والعصبة بالغير هن البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات لأب مع ذكر مماثل لهن درجة ووصفاً، أو أنزل منهن في بنات الابن خاصة، إذا استغرق من فوقهن الثلثين، فيرث هؤلاء الأربع مع من كن عصبة به، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والعصبة مع الغير هن الأخوات الشقيقات، والأخوات لأب مع إناث الفروع، فتجعل الأخوات الشقيقات بمنزلة الأخوة الأشقاء، والأخوات لأب بمنزلة الأخوة لأب.
جهات العصوبة وترتيب الإرث بها:
جهات العصوبة على القول الراجح خمس، مجموعة على الترتيب في قوله:
بنوةٌ أُبوةٌ أُخوةٌ          عمومةٌ وذو الولا التتمة
فالبنوة يدخل فيها الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، وكذا البنات وبنات الابن مع ذكر معصب لهن
والأبوة يدخل فيها الأب وآباؤه وإن علوا بمحض الذكور.
والأخوة يدخل فيها الأخوة لغير أم وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، وكذا الأخوات لغير أم إذا كن عصبة بالغير أو مع الغير.
والعمومة يدخل فيها الأعمام لغير أم، وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور.
والولاء يدخل فيه المعتق، وعصبته المتعصبون بأنفسهم.
هذه جهات العصوبة على القول الراجح الذي يجعل الجد أباً.
أما على القول المرجوح الذي لا يجعله أباً فالجهات ست: البنوة ثم الأبوة ثم الجدودة والأخوة ثم بنو الأخوة ثم العمومة وبنوهم ثم الولاء.
فيقدم في التعصيب الأسبق جهة، فإن كانوا في جهة واحدة، قدم الأقرب منزلة، فإن كانوا في منزلة واحدة، قدم الأقوى، وهو من يدلي بالأبوين على الذي يدلي بالأب وحده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(27) ، فالابن أولى من الأب لأنه أسبق جهة، والأب أولى من الجد لأنه أقرب منزلة، والأخ الشقيق أولى من الأخ لأب لأنه أقوى. قال الجعبري مشيراً إلى ما سبق:
فبالجهةِ التقديمُ ثم بقربه                 وبعدهما التقديمَ بالقوة اجعلا
فلو هلك هالك عن أب، وابن: فللأب السدس فرضاً، والباقي للابن تعصيباً، ولا تعصيب للأب؛ لأن جهة البنوة أسبق من جهة الأبوة.
ولو هلك عن زوجة، وابن، وابن ابن: فللزوجة الثمن، والباقي للابن وحده؛ لأنه أقرب منزلة.
ولو هلك عن عم أبيه، وابن ابن ابن ابن عمه: فالمال لابن العم النازل دون عم الأب؛ لأن ابن العم يتصل بالميت في الجد وعم أبيه يتصل به في أبي الجد، فابن العم أقرب منزلة.
ولو هلك عن أخ لأب، وابن أخ شقيق: فالمال للأخ؛ لأنه أقرب منزلة ولم نعتبر قوة الثاني؛ لأن قرب المنزلة مقدم على القوة.
ولو هلك عن بنت، وأخت شقيقة، وأخ لأب: فللبنت النصف والباقي للأخت الشقيقة؛ لأنها أقوى من الأخ لأب

فوائد:
الفائدة الأولى: سبق أن العاصب إذا استغرقت الفروض التركة سقط، فعلى هذا يسقط الإخوة الأشقاء في الحمارية وهي:
زوج، وأم، أو جدة فأكثر، وعدد من أولاد الأم، وعصبة من الأشقاء.
فلو هلكت امرأة عن زوج، وأم، وأخوين من أم، وأخ شقيق: فالمسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأخوين من أم الثلث اثنان، ولا شيء للأخ الشقيق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" (28). فإذا ألحقنا بهؤلاء فرائضهم التي فرضها الله لهم بنص القرآن، لم يبق للأخ الشقيق شيء، فيسقط بمقتضى النص وكل قياس خالفه فهو فاسد يجب نبذه لمعارضته النص.
وتسمى هذه المسألة - أيضاً - (المُشَرَّكَة)؛ لأن مذهب مالك والشافعي - رحمهما الله - التشريك فيها بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأم في الثلث، وهو آخر الروايتين عن عمر، وإحدى الروايتين عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما .
والصواب عدم التشريك؛ لأنه مقتضى النص كما سبق.
ولو كان بدل الزوج زوجة، لكان لها الربع، وللأم السدس، وللأخوين من أم الثلث، والباقي للأخ الشقيق، ولو كانوا مائة أخ.
ولو كان بدل الأخوين من أم، أخ واحد، لكان للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخ من الأم السدس، والباقي للأخ الشقيق، ولو كان معه ألف أخ.
ولو كان بدل الأخ الشقيق أخت شقيقة، لكان للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين من أم الثلث، وللأخت الشقيقة النصف، وتعول إلى تسعة. فإن كان معها أخت أخرى فرض لهما الثلثان، وعالت إلى عشرة.
ولا تشريك في هذه المسائل، وهذا دليل على ضعف القول بالتشريك في مسألة المشركة.
الفائدة الثانية: علم مما سبق أنه لا يرث بنو أب الميت الأعلى مع بني أبيه الأقرب وإن نزلوا؛ لأن بني أبيه الأقرب أقرب منزلة، فإن من يجتمع بالميت في الجد مثلاً، أقرب ممن يجتمع به في أبي الجد، ولذلك كان بنو الأخوة وإن نزلوا، أولى من الأعمام وإن قربوا.
فلو هلك هالك عن عم جده، وابن ابن ابن ابن عم أبيه: كان المال للثاني؛ لأنه أقرب منزلة.
الفائدة الثالثة: لا يتصور التقديم بالقوة إلا في الأخوة والأعمام وأبنائهم وإن نزلوا.
الفائدة الرابعة: ترتيب عصبة المعتق في التقديم، كترتيب عصبة النسب، لكن لا يرث إلا العصبة بأنفسهم.
فلو هلك عن ابن معتقه، وأخي معتقه: كان المال للأول؛ لأنه أسبق جهة.
ولو هلك عن ابن معتقه، وابن ابن معتقه: فالمال للأول؛ لأنه أقرب منزلة.
ولو هلك عن أخ معتقه الشقيق، وأخيه من أبيه: فالمال للأول؛ لأنه أقوى.
ولو هلك عن ابن معتقه، وبنت معتقه: فالمال للابن؛ لأنه هو العاصب بالنفس، والبنت عاصبة بالغير.
الفائدة الخامسة: قد يرث الشخص بالفرض، والتعصيب من جهة واحدة، كما سبق في الأب والجد مع إناث الفروع، وقد يجتمع في الشخص جهة فرض، وجهة تعصيب، فيرث بهما إن لم تحجبا أو أحدهما. فلو تزوج بنت عمه فهلكت عنه، فله النصف فرضاً؛ لأنه زوج، والباقي تعصيباً؛ لأنه ابن عم.
وإن حجبتا لم يرث، فلو هلك عن بنت، وعم، وابن عم هو أخ من أم، فللبنت النصف، والباقي للعم، ولا شيء لابن العم بجهة الفرض؛ لأن البنت تحجبه، ولا بجهة التعصيب؛ لأن العم يحجبه.
وإن حجبت إحداهما ورث بالأخرى فقط، فلو هلك عن بنت، وابني عم أحدهما أخ من أم: فللبنت النصف، والباقي لابني العم تعصيباً بالسوية، ولا إرث للأخ من الأم بالفرض؛ لأن البنت تحجبه.
ولو هلكت امرأة عن عم، وابن عم هو زوج: فلابن عمها النصف فرضاً؛ لأنه زوج والباقي للعم ولا إرث لابن العم بالتعصيب؛ لأن العم يحجبه.
الفائدة السادسة: قد يجتمع في الشخص جهتا تعصيب فيرث بالمقدم منهما فقط إن لم يوجد لها مانع، فلو هلك عن عم معتق لأبيه، وابن عم معتق له: فالمال للعم، اعتباراً بالجهة المقدمة من التعصيب، وهي جهة النسب، ولو اعتبرنا المؤخرة وهي جهة الولاء لكان المال لابن العم؛ لأنه معتق للميت نفسه، فيكون أولى من معتق أبيه.
ولو هلك عن عمين أحدهما معتق: فالمال بينهما بالسوية بعصوبة النسب.
ولا يتميز المعتق بزيادة بسبب الولاء؛ لأنه إذا اجتمع في الشخص جهتا تعصيب، ورث بالمقدم منها فقط.
فإن وجد بالمقدم من جهتي التعصيب مانع ورث بالأخرى، فلو كان العتيق في المثال الأخير مخالفاً لعميه في الدين، ورثه العم المعتق بالولاء فقط؛ لوجود مانع في عصوبة النسب، وهو اختلاف الدين دون عصوبة الولاء؛ لأن اختلاف الدين لا يمنع من الإرث بالولاء على المشهور من المذهب، وقد سبق أن الصواب أنه مانع كالإرث بالنسب، فعليه لا ميراث لهما جميعاً.
ولو اشترت بنت أباها عتق عليها، ثم إذا هلك عنها وعن ابنه ورثاه بتعصيب النسب، للذكر مثل حظ الأنثيين
ولو اشترى الأب المذكور عبداً فأعتقه ثم هلك العتيق عن ابن معتقه وبنته المذكورين، لكان ماله للابن دون البنت؛ لأن الولاء لا يرث به إلا العاصب بالنفس، والبنت عاصبة بالغير.
فإن قيل: هذه البنت معتقة المعتق فهي عاصبة بالنفس؟ فالجواب: أن الابن عاصب بالنفس من جهة النسب، والبنت عاصبة بالنفس من جهة الولاء، وعصوبة النسب مقدمة على عصوبة الولاء، فكان الابن مقدماً عليها
الفائدة السابعة: من لا أب له شرعاً، كولد الزنا والمنفي بلعان، فعصبته عصبة فروعه، فإن عدموا فأمه، فإن عدمت فعصبتها على الترتيب السابق.
والمذهب أن عصبته عصبة فروعه، فإن عدموا فعصبة أمه المتعصبون بأنفسهم، ولا عصبة للأم ولا لغير العاصب بالنفس من عصبتها.
والأول أصح لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة، لأمه ولورثتها من بعدها(29) . رواه أبو داود. وسبق حديث واثلة ابن الأسقع(30): "أن المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه"، ولأن الولادة انقطعت شرعاً من جهة الأب، فانحصرت في الأم؛ فكانت الأم بمنزلة الأم والأب؛ ولأن قاعدة الفرائض أن لا يدلي عاصب بصاحب فرض محض، فلا يدلي العاصب إلا بعاصب، فإذا كان عصبة الأم عصبة فهي عصبة أيضاً، وهي أقرب منهم، فتكون أولى بالتعصيب. وهذا القول هو قول ابن مسعود وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار الشيخ تقي الدين.
فلو هلك منفي بلعان عن بنت، وأمه، وخاله، وخالته: فللبنت النصف، وللأم السدس فرضاً والباقي تعصيباً على القول الأول. أما على القول الثاني فللبنت النصف وللأم السدس فرضاً، والباقي للخال تعصيباً، ولا شيء للخالة؛ لأنها عاصبة بالغير.
الفائدة الثامنة: عُلِمَ مما سبق أن الورثة ينقسمون باعتبار الإرث بالفرض والتعصيب خمسة أقسام:
الأول: من يرث بالفرض فقط، وهم الزوجان، وأولاد، الأم وإناث الأصول، كالأم والجدة وإن علت.
الثاني: من يرث بالتعصيب بالنفس، وهم الأبناء، وأبناؤهم، والإخوة لغير أم، وأبناؤهم، والأعمام لغير أم، وأبناؤهم، وذو الولاء من ذكر وأنثى.
الثالث: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب بالنفس تارة، ويجمع بينهما تارة، وهو الأب، والجد وإن علا.
الرابع: من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب بالغير تارة ولا يجمع بينهما، وهن البنات، وبنت الابن وإن نزل
الخامس: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب بالغير تارة، وبالتعصيب مع الغير تارة، ولا يجمع بين ذلك، وهن الأخوات الشقيقات والأخوات لأب.
هذه هي الأقسام التي قام عليها الدليل، وبقي قسم سادس لا دليل عليه، وهو من يرث بالفرض أولاً، ثم يقسم عليه بالتعصيب، وهو الجد، والأخت في الأكدرية، وقد سبق الكلام عليها وبيان ضعفها ومخالفتها للدليل وقواعد الفرائض.





(26) سبق تخريجه رقم (1) .
(27)  رواه البخاري ومسلم وسبق رقم (1) .
(28)  رواه البخاري ومسلم وسبق رقم (1) .
(29)  رواه ابو داوود (2907 - 2908) كتاب الفرائض ، باب ميراث ابن الملاعنة وله شاهد عند الطبراني موقوفاً على ابن مسعود قال الهيثمي (4/230) من المجمع : رجاله رجال الصحيح  إلا أن قتادة لم يدرك ابن مسعود وفي الباب غير ذلك . وصححه الألباني .
(30)  سبق رقم (13) .


0 التعليقات:

إرسال تعليق