عدم دستورية قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق




عدم دستورية قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق
قضية رقم113لسنة26قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يومالأحد 15 يناير 2006، الموافق 15 ذى الحجة سنة 1426هـ
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلى محمود منصور وعلى عوضمحمد صالح وأنور رشاد العاصى والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه والدكتور / عادل عمرشريف.
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمةالدستورية العليا برقم 113 لسنة 26 قضائية " دستورية". المحالة من محكمة شبين الكومالابتدائية نفاذاً لحكمها الصادر فى الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى (نفس )
المقامة من السيدة/ ----------- ضد السيد/ ---------

"الإجراءات"
بتاريخ 10 مايو سنة 2004 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم1299لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم، بعد أن قضت محكمة شبين الكوم الكلية للأحوالالشخصية نفس، بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريةنص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوالالشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيهاالحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرتالدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسةاليوم. " المحكمة " بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – علىمايبين من حكم الإحالة وسائر الأوراقتتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوىرقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى أمام محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس،بطلب الحكم بإثبات طلاقها من المدعى عليه طلاقاً بائناً بينونة كبرى المكمل للثلاثطلقات اعتباراً من شهر مايو سنة 2003، قولاً منها بأنها تزوجت من المدعى عليهبالعقد الصحيح بتاريخ 15/12/1971، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج وأنجب منهاذكوراً وإناثاً، وأنه دأب على طلاقها ومراجعتها من نفسه دون توثيق الطلاق رغم وقوعهشرعاً، إلى أن قام فى غضون شهر مايو سنة 2003 بطلاقها الطلقة الثالثة، التى غدا بهاطلاقها منه بائناً بينونة كبرى، وقد اعترف بذلك أمام شهود عدول، وأفتت دار الإفتاءالمصرية فى مواجهته بأن المدعية أصبحت محرمة عليه شرعاً لطلاقها المكمل لثلاث، بحيثلاتحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره، دون أن تكون هناك فتوى مكتوبة، وعلى أثر ذلكانتقلت المدعية للإقامة مع ذويها، غير أن المدعى عليه رفض توثيق الطلاق، مما حدابها إلى إقامة دعواها المشار إليها توصلاً للقضاء لها بطلباتها المتقدمة. وأثناءنظر الدعوى قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكومالمقامة من المدعية ضد المدعى عليه للاعتراض على إنذار الطاعة الموجه منه لها- إلىهذه الدعوى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 31/3/2004 قضت المحكمة بوقفالدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعى كلى شبين الكوم وإحالتها إلى المحكمة الدستوريةالعليا للفصل فى دستورية نص المادة (21) من القانون رقم 1 لسنة 2000 لما تراءى لهامن مخالفته للمادتين (2، 12) من الدستور، وفى الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعى كلىشبين الكوم بوقف الاعتراض وقفاً تعليقياً لحين الفصل فى موضوع الدعوى رقم 1299 لسنة2003شرعى كلى شبين الكوم بإثبات طلاق المعترضة بحكم نهائى. وحيث إن المادة (21) منالقانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أن "لايعتد فى إثبات الطلاق عندالإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق، وعند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصيرالزوجين بمخاطر الطلاق، ويدعوهما إلى اختيار حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيقبينهما، فإن أصر الزوجان معاً على إيقاع الطلاق فوراً، أو قررا معاً أن الطلاق قدوقع، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه. وتطبق جميعالأحكام السابقة فى حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحقفى ذلك فى وثيقة الزواج. ويجب على الموثق إثبات ماتم من إجراءات فى تاريخ وقوع كلمنها على النموذج المعد لذلك، ولايعتد فى إثبات الطلاق فى حق أى من الزوجين إلا إذاكان حاضراً إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه، أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقةرسمية". وحيث إن المسائل الدستورية التى تقضى محكمة الموضوع بإحالتها مباشرة إلىالمحكمة الدستورية العليا عملاً بالبند (أ) من المادة (29) من قانونها الصادربالقانون رقم 48 لسنة 1979، لازمها أن تبين النصوص القانونية التى تقدر مخالفتهاللدستور، ونصوص الدستور المدعى بمخالفتها، ونطاق التعارض بينهما، وأن يكون قضاؤهاهذا دالاً على انعقاد إرادتها على عرض المسائل الدستورية التى ارتأتها مباشرة علىالمحكمة الدستورية العليا استنهاضاً لولايتها بالفصل فيها، وهو مايتعين على هذهالمحكمة تحرية فى ضوء ماقصدت إليه محكمة الموضوع وضمنته قضاؤها بالإحالة، وصولاًلتحديد نطاق المسائل الدستورية التى تدعى المحكمة للفصل فيها. وحيث إن المصلحةالشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباطبينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائلالدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمةالموضوع. وحيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق، أن نطاق الإحالة كما قصدت إليهمحكمة الموضوع، وضمنته أسباب حكمها بالإحالة، إنما ينصب على ماتضمنه نص المادة (21)المطعون فيه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق دونغيره من طرق الإثبات المقررة، وهو الشق من النص الطعين الذى تتحقق المصلحة الشخصيةالمباشرة بالنسبة له، بحسبان أن مبنى النزاع الموضوعى هو طلب الحكم بإثبات الطلاقلامتناع المدعى عليه المطلق عن إثباته طبقاً للنص المشار إليه، وأن القضاء فى مدىدستورية هذا النص سيكون له أثره وانعكاسه على الطلب الموضوعى سالف الذكر، وقضاءمحكمة الموضوع فيه، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الراهنة والمصلحة فيها تكون قائمةبالنسبة للنص المذكور فى حدود إطاره المتقدم، ولاتمتد إلى غير ذلك من الأحكام التىوردت بنص المادة (21) المطعون فيه. وحيث إن حكم الإحالة ينعى على هذا النص الطعين،محدداً نطاقاً على النحو المتقدم، مخالفته لنص المادتين (2، 12) من الدستور، علىسند من أن هذا النص بقصره إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق، خلافاًللأصل المقرر شرعاً من جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات من بينة وإقرار ويمين،يترتب عليه نتائج يأباها الشرع ويتأذى لها الضمير، وذلك إذا ما وقع الطلاق بالتلفظبألفاظه الدالة عليه صراحة أو ضمناً، رغم عدم إمكان إثباته بغير الدليل الذى حددهالنص الطعين، بما مؤداه اعتبار العلاقة الزوجية قائمة ومستمرة قانوناً، رغممايشوبها من حرمة شرعية، وهو مايخالف أحكام الدستور. وحيث إن المقرر فى قضاء هذهالمحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها فى 22 من مايو سنة 1980يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديلقيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقضأحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة – مصدراً وتأويلاً – والتىيمتنع الاجتهاد فيها، ولايجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولاكذلكالأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرةالاجتهاد تنحصر فيها ولاتمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمانوالمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد فى الأحكام الظنية وربطهابمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعيةالنقلية منها والعقلية – حقاً لأهلالاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر ينظر فى كل مسألة بخصوصها بمايناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعةلايجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العمليةوالقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه منحفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهماً فى ذلك كله حقيقة أن المصالحالمعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقاًعلى ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثماً، وكان واجباًكذلك ألا يشرع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسراً، وإلا كان مصادماًلقوله تعالى "مايريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج". وحيث إن الطلاق وقد شرعرحمة من الله بعباده، وكان الطلاق هو من فرق النكاح التى ينحل الزواج الصحيح بهابلفظ مخصوص صريحاً كان أم كناية، ولذلك حرص المشرع فى القانون رقم 25 لسنة 1929الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية وتعديلاته – وفقاً لما أفصحت عنه المذكرةالإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصيةعلى عدم وضع قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء بكافة طرق الإثبات المقررة، غير أنالمشرع قد إنتهج فى النص الطعين نهجاً مغايراً فى خصوص إثبات الطلاق عند الإنكار،فلم يعتد فى هذا المجال بغير طريق واحد هو الإشهاد والتوثيق معاً، بحيث لايجوزالإثبات بدليل آخر، مع تسليم المشرع فى ذات الوقت – كما جاء بالمذكرة الإيضاحيةللقانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليهبوقوع الطلاق ديانة، وهذا النص وإن وقع فىدائرة الاجتهاد المباح شرعاً لولى الأمر، إلا أنه – فى حدود نطاقه المطروح فىالدعوى الماثلة – يجعل المطلقة فى حرج دينى شديد، ويرهقها من أمرها عسراً، إذا ماوقع الطلاق وعلمت به وأنكره المطلق، أو امتنع عن إثباته إضراراً بها، مع عدماستطاعتها إثبات الطلاق بالطريق الذى أوجبه النص المطعون فيه، وهو مايتصادم معضوابط الاجتهاد، والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، فضلاً عما يترتب على ذلك منتعرض المطلقة لأخطر القيود على حريتها الشخصية وأكثرها تهديداً ومساساً بحقها فىالحياة، التى تعتبر الحرية الشخصية أصلاً يهيمن عليها بكل أقطارها، تلك الحرية التىحرص الدستور على النص فى المادة (41) منه على أنها من الحقوق الطبيعية التى لايجوزالإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، والتى يندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوقالتى لاتكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها، ومن بينها حقى الزواج والطلاق وما يتفرععنهما، وكلاهما من الحقوق الشخصية التى لاتتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوضروابطها، ولاتعمل بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة، بل تعززهاوتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور فى المادة (9/1) منه قوام الأسرة الدين والأخلاق، كما جعل رعاية الأخلاق والقيم والتقاليد والحفاظعليها والتمكين لها، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمعككل، ضمنه المادتين (9/2 ، 12) من الدستور، والذى غدا إلى جانب الحرية الشخصيةقيداً على السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تأتى عملاً يخل بهما، ذلك أنه وإن كانالأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرعيلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته، وأن يراعىكذلك أن كل تنظيم للحقوق لايجوز أن يصل فى منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقصمنها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لاتكفل فاعليتها، الأمر الذى يضحى معه هذا النصفيما تضمنه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق، دونغيرهما من طرق الإثبات المقررة، مخالفاً للمواد (2، 9، 12، 41) من الدستور.
فلهذهالأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاعوإجراءات التقاضي فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1لسنة 2000 فيماتضمنه من قصر الاعتداد فى إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق .
أمين السر                              رئيس المحكمة


0 التعليقات:

إرسال تعليق